واحدٌ من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو من الذين أسلموا مع نبي الله في بداية دعوته فيمكة المكرمة، وهو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي وأمّه هي أم خناس بنت مالك، وقد كان له أثره الكبير في الدعوة إلى دين الله، وقد آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص.
وقد شهد مع رسول الله غزوتي بدر الكبرى وأحد، وهاجر الهجرتين الهجرة الأولى إلى الحبشة والهجرة الثانية إلى المدينة المنورة، وقد استُشهد في النهاية في غزوة أحد، وقد ذكره -عليه الصلاة والسلام- بأحسن الكلام؛ فقد كان أبواه يُطعمانه ويُشربانه وما دعاه إلى مقاساة العيش سوى حبه الله ورسوله، وسيقف هذا المقال مع الحديث عن مصعب بن عمير وحياته ومواقفه ومناقبه، وفيما يأتي سيكون ذلك
حياة مصعب بن عمير
كان أحد فتيان مكة ذوي الجمال والمال والعز والرفاه، فكانت والدته من أثرياء مكة المكرمة، ولكنَّ أهله من أشد النَّاس عداوةً للإسلام والمسلمين، وقد أسلم مصعب بن عمير في بدايات الدعوة الإسلامية في دار الأرقم فلمَّا أسلم وعلم أهله بإسلامه عذَّبوه وشدوا عليه الوثاق حتى هرب منهم وهاجر إلى الحبشة واختار عذاب الهجرة على نعيم الإقامة، ثم عاد بعدها إلى مكة المكرمة إلى أن أذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يذهب إلى المدينة المنورة ويُقرئ النَّاس كتاب الله ويعمل على تفقيههم حتى إنَّهم لقبوه بالقارئ المُقرئ.
يُذكر أنَّ مصعب بن عمير كان من خيار فتيان مكة وأنَّه كان يمرُّ على القوم فيشموا ريحه في أزقة مكة، وعندما تفقه في الدين وأتقن القرآن الكريم بعثه النبي إلى المدينة؛ حتى يُفقه الأنصار بعد أن بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندبيعة العقبة وكان عددهم آنذاك يبلغ اثني عشر مسلمًا، وفي بيعة العقبة الثانية كان عددهم سبعين مؤمنًا ومؤمنةً وكانوا تحت قيادة مصعب بن عمير، ومن بين من أسلم على يَدَي مصعب بن عمير هو الصحابي الجليل أسيد بن خضير.
ويذكر أنَّه -أي أُسيد- كان أشد الناس عداوةً للمسلمين، وجاء وقد أشهر حربته يُريد قتل مصعب في المدينة، لكنَّ مصعبًا أقنعه بأن يجلس ويستمع إلى الدين وتعاليمه، فلمَّا جلس شرح الله صدره للإسلام، وقد أسلم على يدي مصعب بن عمير سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، وبذلك نجح في مهمته التي كلفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال في ذلك البراء بن عازب "كان أولَ مَن قدم علينا من المهاجرين مصعبُ بنُ عميرٍ أخي بني عبدِ الدارِ بنِ قصيٍّ فقلت له ما فعل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال هو مكانُه وأصحابُه على أثرِي"،فهو من خيار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم
استشهاد مصعب بن عمير
إنَّ الرجل الذي نذر حياته للإسلام ولتعليم دين الله القويم لا بدَّ أن تكون ميتته مشرفة يُحبها الله ورسوله، فلمَّا كانت غزو أحد وانقلبت المعركة من نصر المسلمين إلى هزيمتهم، حاول المشركون تتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتَّى يقتلوه، لكنَّ القلب الذي تربى على حبِّ الله ورسوله حال دون ذلك، فوقف مصعب بن عمير أمام المشركين في محاولةٍ منه لتشتيت انتباههم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتجمَّع المشركون حوله من كلِّ صوب وجاءه العتل بن قميئة فضربه بسيفه على يده اليمنى فقطعها، فحمل مصعب بن عمير اللواء في يده اليسرى، فأقدم على يده اليسرى فضربها بسيفه فقطعها، فضمَّّ مصعبٌ اللواء على صدره بعضديه وهو يقرأ قول الله تعالى من سورة آل عمران: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}،فضربه ضربةً قتله بها، فكان بذلك مصعب بن عمير من الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وبذلك أقفل مصعب بن عمير كتابه في الحياة الدنيا تاركًا وراءه النسب الرفيع والمال والجاه دون أن يلتفت إلى تلك المُغريات، مقدمًا حياته بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما بخل بجهدٍ ولا بوقتٍ في سبيل رفع راية الدين القويم، ليكون بذلك قدوةً لشباب اليوم، فكان ممن قال الله تعالى فيهم في سورة الأحزاب: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}،فكان جزاؤه من الله جنات تجري من تحتها الأنهار، وانتهت رحلة العذاب بخاتمةٍ عطرةٍ يحلم بها أي مسلمٍ على وجه الأرض، وفي ذلك تمام الحديث عن مصعب بن عمير والله هو أعلى وأعلم .