تضم المملكة العربية السعودية على أرضها عدداً كبيراً من المنشآت الحجرية التي تعد من المعالم الأثرية الهامة والتي تشكل جانباً علمياً مهماً من الحضارات التي شهدتها أرض المملكة في عصور مختلفة.
وتنوعت التفسيرات الوظيفية لوجود هذه المنشآت الحجرية، إذ أن هناك علماء تكهنوا بأنها مقابر، وآخرون أكثر احتمالاً بأنها كانت تستخدم للكشف عن الاتجاهات الجغرافية ومؤشرات طرق القوافل، وهناك من ربما استخدمها كفخاخ في الصحراء، أو كجدران للمزارع الزراعية أو السكنية ، أو كما المحاجر الحيوانية.
وتعد هذه المنشآت الحجرية، بأنواعها المختلفة، بمثابة مؤشرات مهمة للعمق التاريخي الذي تتمتع به السعودية، وتعكس مدى التطور الحضاري للأمم المتعاقبة التي عاشت في المنطقة، مما يجعلها وثائق أثرية طبيعية تكشف الماضي وتفسر الحياة السابقة بما تتضمنه من سلوك، وثقافة، وعادات، وتقاليد، خاصة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية التي يعتقد أن المنشآت الحجرية صُممت من أجلها.
وتسلط المنشآت الحجرية، التي وصفت بالمتاحف الطبيعية، الضوء على تاريخ الأمم الغابرة التي استوطنت الجزيرة العربية، ويصل عددها إلى 868 موقعاً، وتعود إلى الألف السابع قبل الميلاد. وتشكل المنشآت الحجرية شواهد معمارية لمباني متعددة الأشكال، والوظائف، والفترات الزمنية.
وتنتشر المنشآت الحجرية في أنحاء المملكة، خاصة في الحرّات البركانية، وبالقرب من الواحات والمراكز الحضارية القديمة، وتتشكّل هذه المنشآت في مجموعات تمتد لعشرات الكيلومترات.
ويقول المصور السعودي عبد العزيز الدخيل، الذي وثق المنشآت الحجرية في قرية زبران التابعة لمحافظة خيبر بمنطقة المدينة المنورة، إن هذه الحجريات تتمركز عند مناطق الحرات البركانية، إذ تعتمد في تكوينها على استخدام الصخور. ونظراً لأن منطقة خيبر تقع داخل نطاق حرة خيبر، فإنها تحتوي على العديد من المنشآت الحجرية من مواقع مختلفة، ومن بينها قرية زبران، بحسب ما ذكره المصور السعودي.
وعن أهميتها، يشرح الدخيل، وهو قائد ومؤسس فريق "إرث" للتوثيق الجوي، المهتم باستكشاف وتوثيق المواقع الأثرية في السعودية من الجو، أن المنشآت الحجرية تعد من أقدم الآثار الموجودة في المملكة، وتعود لآلاف السنين، ما يجعلها ذات أهمية في معرفة طبيعة حياة العصور القديمة.
ونظراً لأن أشكال ورموز هذه المنشآت الحجرية لا تتضح إلا من خلال مشاهدتها من الأعلى، يوضح الدخيل أن فريق "إرث" للتوثيق الجوي يهدف من خلال هذه السلسلة إلى التنقيب عن مواقع هذه الحجريات وإنتاج صوراً جوية لها ذات دقة عالية. ويُذكر أن الجهات المختصة والعلمية استفادت من هذا التوثيق الجوي فيما يخص أعمالها البحثية حول هذه المنشآت الحجرية، بحسب ما قاله الدخيل.
ويصف الدخيل المنشآت الحجرية التي وثقها بأنها ذات أشكال أو رموز غريبة، منها ما يبدو على شكل حلقة، ومنها ما يبدو على شكل مثلثات برؤوس دائرية، وتسمى "مفاتيح" أو "Keyholes"، بالإضافة إلى أشكال أخرى متعددة، مثل دائرة متصلة بذيل من الحجريات، بحسب ما ذكره.
ومن وجهة نظر الدخيل، كلما اتخذت المنشآت الحجرية أشكالاً فريدة ومميزة عن البقية كلما زادت أهميتها، مضيفاً أن أشكالها قد تكون متكررة إلى حد ما للبحث عن الأشكال الفريدة منها. ويقول الدخيل: "بغض النظر عن السبب وراء بناء هذه المنشآت، فإنها تعد بمثابة عمل فني مذهل".
وخلال عملية التوثيق الجوي لهذه المنشآت الحجرية، يشير الدخيل إلى أنه واجه العديد من التحديات، ومن بينها القدرة على رصد وتحديد موقع المنشآت الحجرية والحالة الفنية للموقع، إذ أن بعضها ما زال يحتفظ بشكل فني متقن من الأعلى، أما البعض الآخر فقد لا يرتقي إلى أن يوثق. ويضيف الدخيل أن الموقع في حرات بركانية أو بالقرب من جبال قد يجعل توثيقه مهمةً أصعب.